مرحبا بك في موقع رؤيا الإخباري لتطلع على آخر الأحداث والمستجدات في الأردن والعالم

ارشيفية

1
ارشيفية

خفاش أم مؤامرة.. ما هو مصدر فيروس كورونا ؟

نشر :  
11:45 2020-03-27|

تحت عنوان خفاش أم مؤامرة.. ما هو مصدر فيروس كورونا كتب مدير المركز الفلسطيني الكوري لأبحاث التكنولوجيا الحيوية د. يعقوب الأشهب مقالا تناول هذا الجانب الذي احتل مساحة واسعة على مستوى العالم بين مؤيد لوجود مؤامرة وبين ناف لها.


وتاليا نص المقال الذي نشره موقع الجزيرة نت: 

 

 

كثير هو الجدل الدائر حول المصدر الحقيقي لفيروس "كوفيد-19"، وهو الخلاف الذي لم تقتصر حدوده داخل أروقة شبكات التواصل الاجتماعي، بل امتدت لتراشقات شهدناها على المستويات السياسية. من جهة، يرى فريق أن الفيروس طور بواسطة الهندسة الجينية في مختبرات متخصصة، وأن الغرض من إطلاقه ما هو إلا مؤامرة لإحداث تدمير اقتصادي لجهات معينة، أو سعي لتحقيق مكاسب اقتصادية ضخمة عبر جمع المال المتدفق عبر بيع اللقاحات أو الأدوية المضادة لهذا الفيروس، بينما يرى فريق آخر أن ظهور هذا الفيروس يعد حدثا طبيعيا ضمن ما يعرف بالتطور الطبيعي الذي يؤدي إلى نشوء مستجد للفيروسات المنتقلة من الحيوانات إلى البشر، وهناك فريق ثالث يرى أن الانتشار حصل نتيجة تسرب -مقصود أو غير مقصود- لهذا الفيروس من داخل مختبرات بيولوجية أثناء إجراء التجارب العلمية عليه بعد أن عزل من أحد الحيوانات العائلة (الحيوان العائل هو الحيوان الذي يستخدمه الفيروس للتكاثر).

    من هنا، لا بد لنا أن نناقش هذه الفرضيات بموضوعية، دون تشنج، ودون تأجيج للمشاعر واستغلال حالة الأزمة لتسويق إشاعات أو أوهام تشتت وتضلل تفكير القارئ، فنحن، في هذه الأيام تحديدا، بأمس الحاجة إلى التفكير المستند إلى الأدلة العلمية.

 تأسيس لا بد منه

قبل مناقشة النظريات المختلفة حول نشوء الفيروس، والتي سنتطرق لها تباعا في التقرير، لا بد من عرض خلفية مختصرة تعرف بالفيروس، حيث يعد فيروس "كوفيد-19" (COVID-19) أو كما يعرف أيضا باسم (SARS-CoV-2) باعتباره أحد الفيروسات التاجية (Coronaviruses)، وهذه العائلة من الفيروسات تعرف بقدرتها على إصابة الثدييات والطيور بأمراض مختلفة. وحتى يومنا هذا، فقد رصد سبعة فيروسات من هذه العائلة تصيب الإنسان [1]، أربعة منها فيروسات متوطنة، "أي مستمرة العدوى بين أفراد المجتمع" وتسبب أمراضا تنفسية بسيطة تكون على شكل رشح أو نزلات برد وهي (HCoV-OC43) (HCoV-HKU1) (HCoV-NL63) (HCoV-229E)، أما الثلاثة الأخرى منها فقد ظهرت خلال العقدين الماضيين على شكل تفشيات في مناطق محددة، ويعتقد أنها انتقلت للإنسان من الخفاش عبر عائل وسيط.

وأول هذه الفيروسات هو فيروس "سارس" (SARS-CoV) والذي ظهر عام 2003 والمسبب لمتلازمة الالتهاب التنفسي الحاد، ويعتقد أن "قط الزباد" هو العائل الوسيط لهذا الفيروس، وثاني هذه الفيروسات هو فيروس "ميرس" (MERS-CoV) والذي ظهر عام 2012 والمسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية، ويعتقد بأن الجمل هو العائل الوسيط لهذا الفيروس، وأما ثالث هذه الفيروسات فهو فيروس "كوفيد-19" (COVID-19) الحالي والذي بدأ تفشيا في مدينة ووهان عاصمة مقاطعة هوبي الصينية، ثم ما لبث أن انتشر عبر المسافرين لمعظم دول العالم ليتحول إلى جائحة عالمية.

 يمتلك فيروس "كوفيد-19" جينوم (أي سلسلة المادة الوراثية) مكونا من 29903 حرف من الحمض النووي الريبوزي (RNA) ومغلفا بغشاء دهني، ولديه مجموعة من البروتينات تساعده على دخول الخلايا البشرية وتضمن تكاثر الفيروس داخل هذه الخلايا ومن ثم خروج أعداد كبيرة من الفيروس من الخلية المصابة. وفيما يخص آلية دخول الفيروس للخلايا البشرية فيعتمد فيروس "كوفيد-19" كغيره من الفيروسات التاجية على البروتين المسماري (spike protein) الذي يبرز من الغشاء الدهني للفيروس ويعمل على الارتباط ببروتين محدد يوجد على أسطح خلايا العائل، وفي حالة فيروس "كوفيد-19" فقد تعرف على البروتين البشري المعروف باسم (ACE2) والذي يلعب دورالمستقبل لهذا الفيروس والموجود بشكل كبير على أسطح خلايا الجهاز التنفسي [2]. 

 فيما يلي سنطرح الآراء المختلفة، مع الحرص على تناولها بدقة، ومن خلال ما يتوفر من بيانات، وتحليلها بالاستناد إلى نشرات علمية مرموقة، خاصة تلك الرسالة التي أرسلها مجموعة من الباحثين على رأسهم الدكتور "كريستيان أندريسن" من معهد سكريبس للأبحاث (Scripps Research Institute) ونشر بتاريخ 17 آذار في مجلة[3] "Nature Medicine" .

الفرضية الأولى: "كوفيد 19" فيروس مهندس جينيا

هذه الفرضية طرحت وتم تداولها بكثرة عبر العديد من الحسابات على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، ووصل الحال بالبعض لعرض براءات اختراع نسبت لمراكز بحثية مختلفة؛ للتدليل على أن هذا الفيروس قد طور، وأن هذا الاختراع حصل على براءة اختراع خاصة به. وأشهر مقاطع الفيديو تلك التي تعرضت لبراءة الاختراع الأوروبية رقم "EP1694829B1". وعند البحث عن هذه البراءات تبين أنها براءات اختراع مسجلة فعليا في مكاتب براءات الاختراع المختلفة وهي لفيروسات كورونا مشابهة لفيروس "سارس" (SARS-CoV) الذي ظهر عام 2003 أو لفيروسات كورونا تصيب الدواجن. ومن هنا تأتي النقطة الأهم، وهي أنه لا توجد أي براءة اختراع تمت لفيروس "كوفيد-19" بصلة، ولقد قمت بالتحقق من ذلك من خلال تقنية مقارنة سلاسل الجينوم لهذه الفيروسات المنشورة في براءات الاختراع مع فيروس "كوفيد-19".

  ما حصل هنا أن البعض بمجرد رؤيته لبراءة اختراع تحمل اسم فيروس كورونا قد اندفع دون تحقق أنه لفيروس "كوفيد-19" الحالي، خاصة أن معظم الناس لم تسمع بفيروسات كورونا إلا خلال الأزمة الحالية. والاستدلال بهذه الوثائق يعد تسرعا في الحكم ينافي الدقة العلمية، وفيه دلالة على "السطحية" في قراءة ملفات براءات الاختراع. وهنا قد يسأل البعض: ما الذي يدعو المعاهد البحثية أو شركات اللقاحات لتسجيل براءات اختراع لفيروسات كورونا؟ الجواب بكل بساطة: بهدف حماية حقوق الملكية عند استخدام هذه الفيروسات كنماذج لتطوير لقاحات، أو لتجريب أدوية جديدة مضادة لفيروسات كورونا. هنا، قد يطرح تساؤل حول خطورة هذا العمل، وما يمكن أن يؤول إليه عبر نتائج غير متوقعة. والحقيقة أن هناك احتمالية ضعيفة لحصول تحولات غير متوقعة، ولكن تطوير هذه الفيروسات المخبرية يعد أمرا ضروريا بهدف فهم ومحاربة أقرانها من فيروسات كورونا.

وإذا ما سلمنا بإمكانية تطوير فيروس "كوفيد-19" عن طريق التعديل الجيني، فالسيناريو الأكثر إقناعا هو أن من قام بالتعديل قد استخدم جينوم لفيروس كورونا موجودا أصلا كنسخة أولية (مسودة) لإجراء التعديلات الجينية عليه لإكسابه الصفات الحالية التي يتمتع بها "كوفيد-19"، ومن الناحية العلمية فإن هذا التعديل يمكن الكشف عنه من خلال تحليل سلسلة جينوم "كوفيد-19" لتتبع آثار محددة تدل على التعديل الجيني، مثل بعض المقاطع الجينية التي تستخدم في تقنيات الوراثة العكسية[4] (reverse genetics systems) . في الدراسة التي قام بها الدكتور أنديرسن وزملاؤه والتي نشرت في مجلة "Nature Medicine" والتي قام الباحثون فيها بدراسة مقارنة لسلاسل الجينوم لفيروس "كوفيد-19" مع الفيروسات الأخرى من عائلة كورونا، يخلص الباحثون إلى أن فيروس "كوفيد-19" لم يطور أو يحور جينيا، وذلك لعدم وجود أي من آثار تقنيات الوراثة العكسية، إضافة إلى ذلك فإن مقارنة سلسلة جينوم "كوفيد-19" تظهر أن أقرب أقرانه هي لفيروس كورونا تشبه فيروس سارس والتي عزلت من الخفافيش[5] (SARS-like  oronaviruses) مع وجود نسبة اختلاف تزيد على 10%، أي ما يزيد على 3000 حرف من مجموع سلسلة الجينوم، واللافت للانتباه أن هذه الاختلافات العديدة موزعة بشكل عشوائي تماما على طول الجينوم مما يعزز القناعة بأن فرضية التعديل الجيني المتقصد غير واردة تماما، بل إنها شبه مستحيلة.


الفرضية الثانية: "كوفيد-19" نشأ بشكل طبيعي وانتقل للبشر من الحيوانات

ضمن المعطيات العلمية الحالية، تعد هذه الفرضية هي الأكثر إقناعا، خاصة بعدما تبين أن هنالك أكثر من 3000 اختلاف جيني ما بين "كوفيد-19" وبين أقرب أقرانه من فيروسات كورونا الأخرى التي عزلت من الخفافيش، والأرجح أن هذه الاختلافات الجينية قد اكتسبت طبيعيا خلال دورات التكاثر في الخفاش، أو أن يكون الفيروس قد انتقل من الخفاش إلى حيوان آخر (عائل وسيط) ومن ثم للإنسان.

  زيادة على ذلك، فقد قام الدكتور أنديرسن وزملاؤه بتحليل دقيق للتحورات الجينية المحددة التي حصلت على البروتين المسماري الخاص بفيروس "كوفيد-19" والذي يعتبر مفتاح دخول هذا الفيروس للخلايا البشرية من خلال قدرته على تكوين عدة نقاط ارتباط بالمستقبل الخلوي "ACE2" الموجود على أسطح الخلايا العائلة، وقد خلص الباحثون إلى أن التفسير الأرجح لهذه التحورات هو عملية تطور طبيعي حصلت للفيروس في حيوان لديه مستقبل شبيه بالبروتين "ACE2" البشري ومن ثم انتقل الفيروس من هذا الحيوان للبشر، وطرح الباحثون سيناريو بديلا يقوم على فرضية أن التحور الجيني قد حصل داخل الإنسان، ويفترض هذا السيناريو أن عدوى أولى حصلت للبشر قبل فترة ظهور "كوفيد-19" في مدينة ووهان وكانت من قبل أحد أسلاف فيروس "كوفيد-19" والذي كان يملك صفات بدائية وليس لديه قدرة عالية للارتباط بالمستقبل "ACE2" ولا يتسبب بأعراض مرضية شديدة، وخلال فترة وجوده في هذه البؤرة البشرية تمكن من اكتساب تحورات جينية ليصبح أكثر قدرة على الارتباط بالمستقبل "ACE2"، ولربما نحتاج إلى المزيد من الأبحاث والتحري لفحص هذا السيناريو، خصوصا أنه لم يثبت إيجاد عزلات بشرية من الفيروس قد تشير إلى احتمالية وجود تلك الصيغة البدائية لـ "كوفيد-19".

  الفرضية الثالثة: "كوفيد-19" تطور بيولوجيا خلال تجارب مخبرية

في ظل وجود عدة مختبرات في العالم تقوم بعزل لفيروسات من عائلة كورونا من كائنات مختلفة وخصوصا الخفافيش، وذلك من أجل دراستها وتحديد خصائصها البيولوجية، فإن فرضية تسرب الفيروس بشكل مقصود أو غير مقصود لا يمكن نفيها بالمطلق، وهذه الفرضية تقتضي أن يكون قد عزل أحد أسلاف "كوفيد-19" من أحد الحيوانات في فترة سابقة، وأن تطور الفيروس لجيل أكثر شراسة قد حصل خلال دورات تكثيره بشكل مكثف في المختبر، إما في خلايا بشرية مخبرية وإما في كائن لديه مستقبل شبيه بـ "ACE2"، مما دفع الفيروس لعملية تطور سريع لاكتساب صفاته الحالية، ومن ثم حصل التسرب للفيروس الممرض. في الدراسة التي قدمها الدكتور أنديرسن وزملاؤه أشار إلى هذه الفرضية، واعتبر أن وجود بعض الأمثلة لمختبرات علمية قامت سابقا بعملية عزل وتكثير لفيروسات كورونا شبيهة بفيروس سارس من الخفافيش تدفع البعض للتفكير بهذه الفرضية [6]. ومع صعوبة تصور أن يحصل هذا الكم من التحور الجيني داخل المختبر، وفي ظل عدم وجود أي دليل منشور، تبقى هذه الفرضية ضعيفة ولكن لا يمكن نفيها بشكل مطلق، ويحتاج إثباتها إلى المزيد من الأبحاث والتحليل والشفافية من قبل المراكز البحثية.

خلاصة القول، يعد من شبه المستحيل أن يكون "كوفيد-19" قد صمم وهندس جينيا داخل المختبرات العلمية، وأنه على الأرجح قد نشأ من أحد أسلافه الذي جاء من حيوان عائل، والأرجح أن يكون الخفاش، وأن عملية التطور لهذا السلف قد حصلت من خلال عمليات تحور جيني طبيعي إما في عائل وسيط أو في بؤرة بشرية سبقت مرحلة التفشي أو داخل خلايا أو حيوانات مخبرية، الأمر الذي منحه الفرصة للتطور وتحسين قدرته على الارتباط بالمستقبل "ACE2".    

وفي الوقت الحالي قد يكون من الصعب إثبات أي من هذه السيناريوهات هو الأرجح في تفسير هذا التحور البيولوجي الذي أدى إلى ظهور الفيروس، ولا شك أننا نحتاج إلى المزيد من البيانات والأدلة ومسح جغرافي موسع لعزلات كورونا من حيوانات عائلة لفهم آلية نشوء "كوفيد-19"، وهنا لا بد من تأكيد ضرورة تكثيف التعاون وتكاتف الجهود البحثية الدولية لدراسة ومتابعة الميكروبات المستجدة، فـ "كوفيد-19" لن يكون آخر كورونا فيروس ممرض للبشرية ينتقل إلينا من الحيوانات.

  وهنا لا بد من نصيحة فيما يتعلق بآلية التعامل مع التدفق الهائل للأخبار والإشاعات التي تبث من خلال شبكات التواصل، لا شك أن الأزمة الحالية صعبة، وفي ظل الضغط النفسي يسهل التلاعب والتأثير على الناس بأفكار مغلوطة أو حتى إشاعات كاذبة أو خزعبلات، وبعض هذه الأخبار يكون لها آثار سلبية وتصور الموضوع للناس وكأنه مؤامرة لا يمكن الوقوف أمامها، والأفضل أن نحرص على اتباع تعليمات السلامة ونلتزم بقرارت الحد من الحركة، فالأزمة ستمر بإذن الله، ولكن لنعلم أننا نحن من سيحدد قيمة الفاتورة النهائية لها، ولنتعلم من تجارب الدول التي استطاعت مواجهة الأزمة مثل الصين وكوريا.


 

  • العالم في مواجهة كورونا
  • اصابات كورونا في الأردن