الشاب الفلسطيني عبد الفتاح عسلية
شاب فلسطيني يعيش مع 25 نوعا من الأفاعي
يعيش الشاب الفلسطيني عبد الفتاح عسلية مع 25 نوعا من الافاعي، فبين الأحراش، وفي ساعات الصباح الباكر، يتجول يومياً في المناطق الشاسعة شرق قطاع غزّة.
عبد الفتاح يبحث عن "صديقته" تزحف بين الأشجار، ولا يمر وقت طويل قبل أن يجدها. فنظره الدقيق يساعده على اكتشاف أماكن الأفاعي بسهولة. يقول "حبي لاصطياد الأفاعي يُعد بصيرة تقودني إليها بين الأشجار".
اكتشاف مكان الأفعى بين حقول المزارعين، يعني لعبد الفتاح بدء معركة شرسة، أو لعبة فيها مقامرة. هناك رابح وخاسر. "أنا لا أنهزم أمام أفعى، عادة ما أتمكن من اصطيادها واصطحابها إلى بيتها الجديد". مدّة العراك بين الطرفين سريعة، في أطول الأوقات تأخذ خمس دقائق، وفي أقصرها تأخذ ثوانٍ معدودة، ويرجع ذلك إلى نوع الأفعى، وفق ما ذكرت الإندبندنت البريطانية.
عبد الفتاح "رجل الأفاعي" الوحيد في قطاع غزّة، الذي يعمل على اصطيادها وترويضها، والتعامل معها، ودراستها بشكلٍ كامل. وتأتي ممارسته تلك وفقاً لهواية خطيرة يعشقها، قد تُسبّب له الكثير من الضرر، إذا ما أخطأ في طرق التعامل معها.
"أفعى فلسطين"
وجدها بين الأحراش، وعندما شعرت به زادت سرعة زحفها، لكنّ عبد الفتاح كان أذكى من أفعى فلسطين، فقد نصب لها فخاً محكماً، أوّل ما وصلت إليه وقعت في شراكه، وبسرعة تمكن من القبض عليها. يقول باللهجة العامية "يكفي اليوم صيد هذه الأفعى الخطيرة، راح تنبسط كتير لما تلاقي إلها ونيس من نفس صنفها".
تعد "أفعى فلسطين" ذات اللون الأصفر المتعرج بخطوط بنيّة، الأكثر خطورة في بلاد الشام، فاللدغة الواحدة منها قدّ تسبب الوفاة. وهي طويلة تصل إلى 130 سم، ومنتشرة بكثرة بين منازل المواطنين، وغير مهددة بالانقراض، ويمتلك عبد الفتاح من صنفها أكثر من عشرة.
حظيرة أفاعي
المشهد الثاني في منزل عبد الفتاح، البيت صغير جداً، لكن أعلاه غرفة تتسع للكثير من الأصناف والزواحف. هذه الغرفة التي يلفها النايلون، تحتوي في داخلها على صناديق زجاج بأحجامٍ مختلفة، كلّ واحدٍ منها مخصص لصنفٍ من الأفاعي، وفي الوسط طاولة مستديرة تعد معرضاً للزواحف التي فارقت الحياة.
في تلك الغرفة أكثر من 150 أفعى، تتوزع على 23 صنفاً يمتلكها عسلية، في حين أنّه يعيش في فلسطين قرابة 34 نوعاً، 9 منها سامة، و25 غير سامة، وفقاً لجمعية الحياة البرية الفلسطينية.
جمع عبد الفتاح أفاعيه خلال العامين الأخيرين، وأخذ يعتني بها، بعدما حصل عليها في رحلاته الاستكشافية لمناطق الأحراش، وعن طريق استنجاد المزارعين وبعض المواطنين به، يقول "أطلقت حملة على وسائل التواصل الاجتماعي، بأنّ من تداهم أرضه أو منزله أفعى عليه الاتصال بي، وأنّا سأتعامل معها".
خبرة من دون شهادة
يجول بنظره على الصناديق الزجاج، ويبدأ يشير "هذه من نوع "أبو سلول"، وهي الأسرع في العالم. أمّا تلك من صنف "أفعى الزيتون" الخاصة في القضاء على بعض الحشرات التي تسبب أمراض الزيتون. وهذه "أفعى الرمل" التي تعيش تحت الرمال. وذلك "العربيد الأسود" وهو خطير وقوي. وكذلك "أفعى الفئران" ذات الأنياب والسم القاتل".
تجربته الطويلة في تربية الأفاعي (تصل إلى 20 عاماً)، ومن دون أيّ درجة علمية بل من خلال الممارسة والتجربة، مكّنته من معرفة خصائص كلّ صنفٍ يمتلكه، ودفعته إلى إطلاق حملات توعية عبر منصات التواصل الاجتماعي، حول طرق التعامل مع الأفاعي. وعبد الفتاح يقدم في دروسه المصوّرة شروحاً عن سمومها والتعامل مع اللدغات، إلى جانب الخدمات الوقائية، بغرض توعية متابعيه.
وعادة ما يقضي عبد الفتاح وقت فراغه في غرفة أفاعيه الصغيرة، يعتني بها، ويلعب معها، فيتلوى الثعبان بين يديه كالدمية الصغيرة، وعلى الرغم من احتراف التعامل معها إلا أنّه لا يزال يخوض سلسلة مغامرات، ويقول "بشكلٍ يومي أتعرض للدغات من الأفاعي، وينزف دمي جراء ذلك".
نادراً يتعرض عبد الفتاح لعضات ينقل على إثرها إلى المستشفى، فالأفاعي في فلسطين تنقسم إلى سام وغير سام، وبحسب مروّض الأفاعي، فإنّه لا يمكن التخلص من سم الأفاعي حتى وإنّ تمّت إزالة الأنياب، أو سحب السم منها.
قوارض أيضاً
عبد الفتاح يقدم لكلّ نوعٍ منها الطعام الذي يناسب بقائها نشيطة، "أفعى فلسطين" تأكل الفئران، أمّا "أفعى الرمل" فتأكل الحشرات، و"العربيد الأسود" يأكل القوارض.
لذلك يجمع مربي الأفاعي الكثير من أنواع القوارض والحشرات في غرفته، ليقدمها طعاماً. وعادة ما تعيش الأفاعي في ظروف بيئية خاصة، وتحتاج إلى درجات حرارة عالية، لذلك يضعها في غرفة محاطة بالنايلون، وصناديق تلائم درجة حرارتها بيئة حياة الثعبان، ولكن ذلك غير كافٍ كما يراه عسلية، يقول "بسبب انقطاع الكهرباء يموت الكثير" وعادة ما ينقطع التيار في غزّة 20 ساعة متواصلة.
الأفاعي التي فارقت الحياة، لها مصير آخر عند عبد الفتاح، فيقوم بتحنيطها، وعرضها على جدران معرضه الذي ينوي إقامته داخل غرفته الصغيرة، لكنه بصعوبة يحصل على مادة الفورمالين، بسبب منع الاحتلال لدخولها غزّة، وغلاء سعرها في حال توافرها.
ووفقاً له، فإنّ الكثير من أصناف الأفاعي عرضة للانقراض بسبب الزحف العمراني والكثافة السكانية. وخوفاً من اختفائها، يعمل عسلية على اقتنائها ودراسة كلّ منها بعناية، "اسمها العلمي، والشعبي، وخصائص كل صنف منها، وطرق الوقاية من لدغاتها".
الحلم الذي يسعى إليه عسلية، يتمثل في استيراد أصناف مختلفة من الأفاعي المنتشرة في أوروبا، وتصدير سموم الأفاعي التي يمتلكها لدولة تتمكن من ابتكار مصل مضاد لعلاج لدغاتها.