جلالة الملك عبدالله الثاني ورئيس وزراء إيطاليا والمستشارة الألمانية في جلسة حوارية عقب حفل جائزة مصباح السلام
الملك: الغالبية العظمى من اللاجئين السوريين في الأردن يرغبون بالعودة لوطنهم
شارك جلالة الملك عبدالله الثاني، اليوم الجمعة، بحضور جلالة الملكة رانيا العبدالله، في جلسة حوارية مع مجموعة من رهبان ولاجئين وإعلاميين في كاتدرائية فرنسيس الأسيزي بمدينة أسيزي الإيطالية.
وشارك في الجلسة، التي نظمتها الرهبنة الفرنسيسكانية الكاثوليكية ضمن فعالية تسليم جلالة الملك جائزة مصباح السلام، المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ورئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي.
وفي معرض رد جلالة الملك على أسئلة عدد من الحضور، والتي تناول أحدها استضافة الأردن لعدد كبير من اللاجئين ودور المجتمع الدولي في دعم اللاجئين والدول المستضيفة، قال جلالته "يسعدني جدا أن أستلم هذه الجائزة نيابة عن الأردنيين التي (تسلمتها) من صديقة عزيزة (أنجيلا ميركل)، والتي ضربت مثالا لنا جميعا في التعامل مع القضايا التي طرحت في هذه الجلسة".
وتابع جلالته، إننا في الأردن اليوم نستضيف أكثر من 15 بالمائة من اللاجئين في العالم، وكما ذكر رئيس الوزراء كونتي، فإن هذا العدد لا يقتصر على اللاجئين السوريين فقط، بل يشمل غيرهم من اللاجئين في منطقتنا، وقد شكل هذا تحديا كبيرا لنا.
وقال جلالته نتساءل دوما عندما نتعامل مع موضوع اللاجئين كيف لنا أن نتخلى عنهم؟، خاصة عندما نرى الأمهات والأطفال يقصدون حدودنا هروبا من العنف والاضطهاد، وكيف لنا كبشر نحمل التعاطف في قلوبنا أن نتخلى عنهم؟، ولذلك كان لا بد علينا أن نحتضنهم في بلدنا، ولم نتعامل معهم كلاجئين فقط، بل حرصنا أيضا على توفير مستقبل واعد لهم لحين تغدوا الظروف مواتيه لهم لعودتهم لبلدهم. وأضاف جلالة الملك هنا أود أن أشكر العديد من دول العالم، بما فيهم شريكين موجودين معنا اليوم هما إيطاليا، وألمانيا، الذين تفهموا هذا الواقع، وقدموا الدعم للأردن، فالضغط الذي يتعرض له المواطنون الأردنيون هائل، فقد ارتفعت نسبة البطالة، وشملنا اللاجئين بنظام الرعاية الصحية ونظام التعليم في المدارس. إن معظم المدراس في المناطق الشمالية في الأردن تضطر الآن للعمل بنظام الفترتين الصباحية والمسائية، كما تسببت أزمة اللاجئين بضغوطات على قطاع الإسكان".
وأشار جلالته إلى إن الطريقة الوحيدة لتقديم الرعاية للاجئين هي أن تشملهم في المجتمع، وقال لهذا السبب فتحنا المجال أمام السوريين للحصول على تصاريح عمل في بلدنا، كما تم شمولهم بنظامي التعليم والرعاية الصحية لدينا.
وقال جلالته إن الغالبية العظمى من اللاجئين خاصة الموجودين في الأردن يرغبون بالعودة لوطنهم، وإن لم نمكنهم ونمنحهم التعليم ونوفر لهم الرعاية والفرص، فكيف سيكون بإمكانهم أن يعودوا لبلدهم كبناة إيجابيين لمجتمعاتهم؟وأضاف جلالة الملك عندما يتعلق الأمر بسوريا، فإننا نتمنى أن تكرس جميع الجهود للعمل سوية لتحسين الظروف السياسية، فالمرحلة المقبلة هي مرحلة تثبيت الاستقرار الذي يتركز على إتاحة الفرصة أمام الشباب للعودة إلى وطنهم ليكونوا لبنة بناء في مستقبل بلدهم، وتحقيق ذلك لن يكون سهلا بل يحتاج إلى جهد كبير.
وقال جلالته هنا وأنا أتحدث أمام المستشارة ميركل، التي تعتبر قدوة في أوروبا في التعامل مع موضوع اللاجئين، وتهتم بهم بشكل صادق، أرى من الصعب على القادة السياسيين التعامل مع هذا التحدي استنادا إلى العاطفة فقط، ولهذا فإنني أراها قد غدت مثالا يحتذى لنا جميعا في الشرق الأوسط، في السعي لإبقاء حدودنا مفتوحة في تعاملنا مع هذا التحدي الصعب.
وتابع جلالته قائلا إن الأصدقاء أمثال المستشارة ميركل، يمنحوننا القوة والعزيمة، ونحتاج دوما إلى مساعدتهم ودعمهم، إذ نشهد وللأسف إنهاكا لدى الجهات المانحة، ما يفرض المزيد من الضغط على الحكومة الأردنية لرعاية اللاجئين، وفي ذات الوقت فإن الأردنيين يعانون كثيرا ويتعرضون للكثير من الضغوطات. وفي النهاية علينا أن نقوم بما يمليه علينا ضميرنا، الذي يفرض علينا رعاية اللاجئين ومنحهم الفرصة والأمل وأن نشملهم في المجتمع.
وفي رد جلالة الملك على سؤال حول الدور الذي من الممكن أن تقوم به دبلوماسية الحوار بين الأديان في مكافحة الفكر المتطرف، قال جلالته إن هذا يمثل تحديا حقيقا يتوجب علينا جميع التمعن فيه بكل جدية، فقد كان واضحا لدينا ومن وجهة نظر الأردن وهو أمر توصلنا إليه منذ عدة سنوات، أننا سنكون أمام تحدي خطاب التطرف الذي سيكون مرضا يغزو مجتمعاتنا لفترة طويلة، ولهذا السبب قمنا كمسلمين بالتواصل مع إخواننا من المذاهب الإسلامية الأخرى ضمن رسالة عمان، وهو جهد قامت به الطوائف المسيحية منذ مئات السنين.
وأضاف جلالته ومتابعة لهذا الجهد أطلقنا (مبادرة كلمة سواء) لتجمع بين الإسلام والمسيحية، انطلاقا من قناعتنا بأننا سنواجه تحد من أجل مستقبلنا وكرامتنا وانسانيتنا.
وقال جلالة الملك كما أشارت المستشارة ميركل إلى أن التحديات المشتركة التي تجمعنا تكمن في كيفية التعامل مع كل التحديات من منظور شمولي، ربما تكون داعش قد هزمت في سوريا والعراق لكنها لم تنتهي بعد، فهذه الأيدولوجيات المبنية على الكراهية تجاه أي دين في تزايد مستمر وعلى المدى القصير نواجهها أمنيا وعسكريا، أما التحدي على المدى الطويل أمامنا جميعا فهو التحدي الفكري.
وأضاف قائلا كما أشارت المستشارة فنحن نواجهه في شرق وغرب إفريقيا ضد بوكو حرام والشباب، ولدينا تحديات في البلقان، ومواجهة التطرف في أوروبا وآسيا أيضا، وما زالت هناك تحديات في أمريكا اللاتينية والجنوبية لم نتطرق إلى معالجتها بعد من خلال عملنا مع شركائنا مثل ألمانيا وإيطاليا، وهذا تحد قد ورثتموه كجيل الشباب للأسف، ولذا علينا أن نمكنكم من مواجهته.
وقال جلالة الملك إن التحدي على المدى المتوسط والطويل هو مواجهة الكراهية التي تبث سمومها عالميا دون ضوابط تردعها، فوسائل التواصل الاجتماعي جزء من هذه المشكلة، وواجهنا مثالا مروعا على ذلك في نيوزيلندا قبل اسبوعين، حيث استُخدمت وسائل التواصل الاجتماعي للتحريض على كراهية الأخرين.
وأضاف جلالته في نهاية المطاف لا بد أن نتساءل ما هو الأمر الذي نجتمع من أجله هنا اليوم، وهو ما اشرت إليه هذا الصباح. ما يجمعنا هو حب الله وحب الجار، ولكن هل نؤمن بذلك حقا! فكثير من الناس يتحدثون عن التعايش مع الآخرين، لكن أليس الأجدر بنا أن نحب ونحترم بعضنا البعض؟وتابع جلالته إن كنا فعلا نؤمن بالله في قلوبنا فإننا سنتمكن من التصدي لهذه التحديات. لقد عبرت عن ذلك في أكثر من مناسبة، أن الشر يستبد عندما يعجز الصالحون عن العمل، فهل بإمكاننا نحن الأغلبية أن نقف معا وأن نعتمد على بعضنا البعض لمواجهة هذا الشر وأن نعمل بإيجابية ونجعل الحب في قلوبنا. هذا هو التحدي على المستوى الفكري والذي نواجهه في مدارسنا وبيوتنا، لكن تزداد قوتنا في التصدي لهذه العصابات الظلامية إذا تعاونّا معا، وتقبلنا وأحببنا بعضنا البعض لنصل إلى مستقبل أفضل، وإلا فإن هذا التحدي سيستمر إلى أجيال قادمة.