الصورة أرشيفية
دراسة تُظهر تحسّن مستوى الطلبة الأردنيين في الرياضيات والعلوم
أظهرت العديد من الدراسات بأن الاستثمار في تعليم ورعاية الطفولة المبكّرة لا يقتصر على التحسن الملموس في الصحة البدنية والعقلية للأطفال، بل يتعدى ذلك ليشمل تأثيرات اقتصادية واجتماعية ايجابية بعيدة المدى في المجتمع والتي لا تزال نسب الالتحاق فيها متدنية جدا في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا اذا ما قورنت باماكن اخرى من العالم.
تشير البيانات الاخيرة لمنظمة الامم المتحدة للمرأة والطفولة-يونيسف الى النسب المتدنية جدا والبالغة ٢٧% من اجمالي الاطفال في المنطقة، الا ان البيانات الخاصة بالمملكة الاردنية الهاشمية تعتبر منافسة جدا اذا ما قورنت بدول الاقليم من ناحية نسب وفيات الاطفال، الاستفادة من المطاعيم وحتى شمول الاطفال في سن ٣-٤ سنوات في برامج تطوير للمهارات الذاتية ولكنها تبقى متدنية في نسب الالتحاق والبالغة ٦٠% في الصف التمهيدي، ١٨% في البستان و٣% في ما قبل الروضة الاولى.
من هنا، جاءت الحاجة الى إجراء دراسة هدفها محاولة قياس المنافع الاقتصادية الناتجة عن الاستثمار في رعاية وتعليم الطفولة المبكّرة في الأردن لتقدير الآثار الاقتصادية طويلة الأجل اعتماداً على فكرة أن الاستثمار في مثل هذه الاولويات سيؤدي الى تحسن في عدد من المؤشرات المتعلقة بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية.
يعتمد الإطار النظري ونموذج الدراسة على الافتراض بأن زيادة مستويات الرعاية والالتحاق في التعليم في مرحلة الطفولة المبكّرة ستؤدي بالنتيجة الى تنمية القدرات الإدراكية والتعليمية للطلاب، الأمر الذي سيرفع مستوى التحصيل الدراسي للأطفال.
ستنعكس هذه التطورات وستقود الى تحسّن أداء عدد من المؤشرات المرتبطة بالعائد على التعليم كزيادة مشاركتهم في سوق العمل وزيادة مستوى الأجور والدخل المكتسب للأفراد في المجتمع إضافة الى ارتفاع معدلات توقع الحياة لهم.
كما واعتمدت الدراسة في تحليلها للآثار المتوقعة أيضاً على تقدير الزيادات المطردة في العوائد والاجور وما يترتب على ذلك من عوائد حكومية نتيجة لهذا التوسع في تغطية برامج تعليم ورعاية الطفولة المبكرة.
ولقياس مستوى التحسّن في الأداء الناتج عن التوسع في برامج رعاية وتعليم الطفولة المبكرة فقد تم استخدام بيانات برنامج تقييم الطالب الدولي (PISA) لعام ٢٠١٢، وكذلك بيانات تقييم القراءة والرياضيات للصفوف الأولى في الأردن لنفس العام.
وقد أظهرت النتائج بأن هناك تحسّن في مستوى أداء الطلبة في مواد الرياضيات والعلوم والقراءة ممن كان قد حضر على الأقل سنة واحدة في صفوف المستويات التمهيدية في مرحلة الطفولة المبكرة، كما ساهمت في رفع اجمالي سنوات التعليم بنسبة ٠.٧ بالمتوسط.
أما فيما يتعلّق بأثر رعاية وتعليم الطفولة المبكرة على العائد على التعليم، فقد تم الاعتماد على بيانات مسح العمل التتبعي للعام ٢٠١٠ والذي شمل حوالي ٢٦ ألف شخص ضمن حوالي ٥ آلاف أسرة.
وقد أشارت نتائج التقدير الى العوائد الايجابية للتعليم والتي ارتفعت نسبها لدى الاناث عن الذكور، فقد انعكست كل سنة دراسية اضافية بارتفاع في معدل الاجور بنسبة ٥.٤% للذكور و٦.٤% للإناث.
علاوة على ذلك، فقد أشارت النتائج أيضاً الى أن التحسن في نسب وجودة التعليم يقود الى زيادة مطردة في مشاركة كل من الذكور والإناث في سوق العمل بنسبة ٠.٥% للذكور و ٤% للاناث في حالة الالتحاق بالتعليم لسنة اضافية واحدة.
وبالاعتماد على هذه النتيجة فإن العوائد السنوية المتوقعة للأفراد العاملين في المجتمع هي زيادة مستوى الدخل الاجمالي للسنة الواحدة بحوالي ٨٢٠ دولاراً للذكور وحوالي ٨٧٤ دولاراً للإناث.
وفي جزء آخر من الدراسة تم تقدير العوائد الصحية للتعليم اعتماداً على مقارنة بيانات التعداد العام للسكان لعامي ٢٠٠٤ و٢٠١٥ والتي توفّر معلومات تفصيلية عن عدد السكان حسب الجنس والمستوى التعليمي، وبالتالي فقد تم مقارنة معدلات البقاء على قيد الحياة إضافة الى تقديرات الوفاة. وكما هو الحال في أغلب دول العالم.
فقد أظهرت النتائج أن توقعات الحياة للإناث كانت أعلى منها للذكور، فمتوسط العمر المتوقع للذكور كان ٧٢ عام مقابل ٧٦ عام للإناث.
وفي المقابل فإن معدلات توقع الحياة كانت أكبر للذكور والإناث ممن أكمل تعليمه الجامعي مقارنة بمن اكتفى فقط بالتعليم الثانوي كانعكاس افتراضي لارتفاع معدلات توقع الحياة لمن امضى سنوات اكبر على مقاعد الدراسة.
أما فيما يتعلق بقياس المنافع المتوقع اكتسابها مدى الحياة والناتجة عن توفير الرعاية والتعليم لمرحلة الطفولة المبكرة فقد استندت طريقة القياس بداية على عدد من الافتراضات أبرزها بأن الأطفال الخاضعين لهذه الرعاية سيحصلون في المتوسط على حوالي ٠.٧ سنة اضافية من التعليم، وبالتالي فإنه من المتوقع أن يحصل الطفل على دخل إضافي بحوالي ٢٣,٠٠٠ دولار خلال فترة حياته العملية (من عمر ٢٥-٦٤).
لكن على الرغم من ارتفاع المستويات التعليمية للاناث مقارنه بالذكور، الا انه من المتوقع ان تزداد هذه العائدات للذكور (٤٢,٧٧٦ دولار) عن الاناث (٢٢,٩٥٠ دولار) لاعتبارات تتعلق بضعف نسب مشاركة الاناث في سوق العمل عن الذكور.
علاوة على ذلك، فقد حاولت الدراسة احتساب التكاليف المقدّرة لتوفير برنامج رعاية وتعليم شامل لمرحلة الطفولة المبكّرة من خلال سيناريو افتراضي يلتحق فيه الطفل بالبرنامج عند عمر ثلاث سنوات وآخر يفترض الالتحاق بالبرنامج لمدة سنتان فقط عند عمر الرابعة.
وبالاستناد الى التقديرات بأن التكلفة الكلية المتوقعة لهذا البرنامج متضمّنة تكاليف البنية التحتية إضافة الى رواتب وأجور العاملين في هذا البرنامج هي حوالي ٢,٦٠٠ دولار للطفل الواحد للسيناريو الاول تنخفض الى حوالي ١,٣١٢ دولار في السيناريو الثاني، فقد خلص تحليل نسبة العوائد الى التكاليف المتوقعة الى أن هذه النسبة تبلغ حوالي ١:٩ تقريباً، الأمر الذي يعني أنه لكل دولار واحد يتم استثماره في برنامج رعاية وتعليم مرحلة الطفولة المبكرة سيؤدي الى الحصول على عوائد مستقبلية بما مقداره ٩ دولار لكل دولار خلال فترة حياته.
وأخيراً فإن الاستثمار في مثل هذه البرامج من شأنه أيضاً أن يؤدي الى تحقيق عوائد إضافية للدولة ناجمة عن التحسن العام في مستويات الانتاجية للافراد، فقد أشارت نتائج التقدير المعتمدة على احتساب العوائد المتوقعة بأن مجموع العوائد ستزداد بمقدار ٤,٢٥١ دولار للفرد الواحد (بمعدل خصم سنوي مقداره ٣%)، كما أن التوسع في برامج رعاية وتعليم الطفولة المبكرة سيؤدي حتما الى خلق وظائف جديدة تقدر بحوالي ٣٠,٠٠٠ وظيفة معلم ومعلمة لمرحلة الطفولة المبكرة.
وأكدت جميع المؤشرات والبيانات المستخلصة من هذه الدراسة تدعم التوصيات الواردة بالاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية التي تقوم على عدد من الركائز الاساسية التي يعتبر احد ابرزها التوصية بالتوسع بتقديم خدمات رعاية الطفولة المبكرة وبانتشار جغرافي أوسع لما لذلك من تبعات ايجابية آنية واخرى بعيدة المدى.