قريع : المفاوضات مضيــعة للوقــت والـمقاومة في غـزة صـدمت الاحتلال
كد احمد قريع، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية رئيس طاقم المفاوضات النهائية السابق مع اسرائيل، أحد مهندسي اتفاق «اوسلو الشهير» والاتفاقات الملحقة به، في حوار مع «العرب اليوم» الأحد ان الحرب على غزة تأتي في إطار تنفيذ اسرائيل «مخططاتها الاستراتيجية لانهاء القضية الفلسطينية» من خلال فصل القطاع وتفتيت الضفة الى «كنتونات ومعازل» وضم القدس الكبرى التي تتعرض لحرب صامتة الآن، مشيرا إلى أن خيار المفاوضات الذي انتهجه الجانب الفلسطيني كخيار استراتيجي مع إسرائيل فشل ووصل لطريق مسدود، وأن خيار الصمود والمقاومة صمد وتجلى ذلك الصمود في مواجهة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
وشدد قريع الذي يعتبر أحد مهندسي اتفاق أوسلو الشهير الذي اقيمت السلطة الفلسطينية بموجبه على أن خيار المفاوضات الذي انتهجته القيادة الفلسطينية كخيار استراتيجي لتحقيق الاستقلال الفلسطيني قد «أفشلته اسرائيل»، مضيفا « أنا أقول ان المفاوضات بعد عشرين سنة من اتفاق أوسلو ثبت انها ليست هي الآلية الصالحة بل هي مضيعة للوقت لغاية الان»، مشيرا الى ان بسالة المقاومة في قطاع غزة صدمت اسرائيل التي تواصل ارتكاب المجازر في غزة من جراء التمزق العربي السائد في المنطقة على حد قوله.
واضاف قريع قائلا لـ «العرب اليوم»: ان «إسرائيل ما كان لها أن تجرؤ على مثل هذا العدوان الذي ارتكبت فيه المجازر، لولا التمزق العربي السائد في المنطقة والصمت الدولي المريب خاصة من قبل الادارة الاميركية التي اثبتت أنها ما زالت غير معنية بشكل فعلي لحل القضية الفلسطينية عبر حل عادل على أساس الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية، وبما لديها من نفوذ ومقدرة على ممارسة الضغط على إسرائيل».
وأشار قريع إلى أن إسرائيل لن تقف بازاء الولايات المتحدة الاميركية وامكاناتها الكبيرة في ممارسة الضغوط عليها للتوصل لحل سياسي للقضية الفلسطينية، مشيرا الى ان واشنطن وتل ابيب من خلفها استغلت في السنوات الماضية حالة الانقسام الداخلي الفلسطيني والتشرذم العربي للاندفاع نحو تنفيذ مخططاتها القائمة بشأن حل القضية الفلسطينية من خلال فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية وضم القدس الكبرى التي تصل منطقة الأغوار شرقا وبيت لحم جنوبا ورام الله شمالا، وتقسيم الضفة إلى «كنتونات ومعازل» تحت السيطرة الاسرائيلية، إلا أنه أكد بأن تلك المخططات الإسرائيلية ليست قدرا للفلسطينيين بل تتحطم على صخرة الوحدة الوطنية للشعب الفلسطيني «والتي نتأمل أن تتعزز بعد الاتفاق الاخير لتشكيل حكومة الوحدة الوطنية».
وشدد قريع على أن المطالب الفلسطينية بشأن رفع الحصار وفتح المعابر وإعادة اعمار مطار غزة وانشاء ميناء في القطاع هي مطالب حياتية للشعب الفلسطيني إضافة إلى أنها التزامات على إسرائيل وفق ملاحق مفاوضات اتفاق أوسلو، مؤكدا عدالة المطالب الفلسطينية التي هي في حقيقتها مطالب للشعب الفلسطيني بكافة شرائحه وقيادته كذلك.
وأشاد قريع بصمود المقاومة الفلسطينية في مواجهة العدوان الاسرائيلي، مشيرا إلى أن هناك وجهان للعدوان، الاول هو جانب البطولة والصمود الفلسطيني الحقيقي والذي لا يستطيع أي انسان إلا أن يعتز ويفتخر به وما تخلله من بسالة وبطولة ومفاجآت قامت بها المقاومة، والجانب الآخر هو الجانب الانساني وحجم الدمار الذي طال غزة شعبا وبنى تحتية ومساكن، وهذا ستكون له تكاليف ليست مادية فقط بل تكاليف بشرية انسانية كذلك.
وبشأن تلك التكاليف غير المادية، أشار قريع إلى أن إسرائيل تعمدت من خلال عدوانها الحالي إلى ايقاع أكبر تدمير في قطاع غزة لأشغال الفلسطينيين وخاصة أهالي قطاع غزة عشرات السنوات بإعادة اعمار ما دمره الاحتلال، في حين يتم التفرغ من قبل إسرائيل لتنفيذ مخططاتها بشأن تقسيم الضفة الغربية الى «كنتونات» على أرض الواقع، من خلال تقسيمها بالطرق الالتفافية والكتل الاستيطانية في حين يتم ضم القدس «التي تعيش معركة صامتة شرسة وخطيرة حاليا تنفذ فيها مخططات التهويد والاستيلاء على المدينة وتهجير اهلها في حين بلغت المخططات التهويدية مرحلة خطيرة جدا في ظل الصمت والتمزق الذي يعيشه العالم العربي».
واضاف قريع: «المخطط الإسرائيلي الذي ما زال ولم يتغير هو فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية وهذا هو المخطط الإسرائيلي، وهذه هي الاستراتيجية الإسرائيلية، فصل غزة وتقطيع أوصال الضفة الغربية بالمستوطنات او الطرق الالتفافية. ولذلك إسرائيل تنفذ وبصمت مطبق وبإجراءات متسارعة الحرب الثانية في القدس الان، من جراء تواصل الحرب على غزة»، متابعا «الحرب على القدس لا تحتاج لطائرات ولا لقذائف بل هذه الحرب تحتاج الى سلسلة من الاجراءات على صعيد تهويد الاقصى وفرض التقسيم الزماني والمكاني فيه الى جانب تهجير اهالي المدينة والتضييق عليهم بهدف اجبارهم على الهجرة ومغادرتها» إلا انه استطرد قائلا « ولكن شعبنا صامد برغم كل تلك الإجراءات الاحتلالية والتهويدية».
وأشار قريع إلى أن الزيارات التي ينفذها أعضاء في الكنيست والحكومة الاسرائيلية تحت حراسة شرطة وقوات الاحتلال تؤكد أن هناك مخططا اسرائيليا رسميا لتقسيم المسجد الاقصى وقبة الصخرة المشرفة تحت شعارات توراتية، وذلك استغلالا للأوضاع العربية الراهنة التي تعتبرها سلطات الاحتلال ظروفا مواتية لفرض التقسيم على الحرم القدسي الشريف من خلال تقييد دخول المصلين المسلمين في اوقات معينة في حين يسمح للمستوطنين وغلاة المتطرفين بالدخول تحت الحراسة في اوقات اخرى، مشيرا إلى أنه بات من السابعة صباحا تقريبا لغاية ما قبل صلاة الظهر ومن الساعة الرابعة عصرا وحتى السابعة مساء مخصصة لاقتحامات المستوطنين في حين يحظر على النساء الفلسطينيات والمصلين الشباب من الدخول في تلك الاوقات، موضحا بأن ذلك إلى جانب العمل على تهجير واقتلاع أهالي القدس من مدينتهم من خلال التضييق عليهم واعتقالهم والتنكيل بهم بشتى الوسائل، مضيفا «هذا عمل إرهابي ومحاولة لإحباط الناس ودفعهم لليأس إلا أن هذا يقابل بإصرار وتمسك وصمود المواطنين بارضهم وفي وطنهم».
واضاف قريع «أذن معركة القدس بعد معركة غزة فتحت على مصراعيها ولكن بأسلوب مختلف، هناك بالقتل والذبح والطيران وهنا بالقدس المعركة بالإجراءات والتسلسل المتفجر في تفريغ المدينة من اهلها وتهود المقدسات وتغيير معالمها»، متابعا «معركة القدس هي المعركة القادمة والمعركة الخطيرة التي لا يجوز الصمت عنها»، مطالبا ارتفاع الصوت الفلسطيني والعربي والاسلامي تنديدا وملاحقة قضائية وغيرها من الوسائل لفضح المخططات الاسرائيلية التي تنفذ في القدس لتغيير معالمها العربية والاسلامية، مشيرا إلى أن إسرائيل وصلت لمرحلة الحسم في معركة القدس التي بدأتها بهدم حي باب المغاربة عقب احتلال المدينة عام 1967.
وشدد قريع على أن المخططات الإسرائيلية الحالية تسير باتجاه فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية وضم القدس والكتل الاستيطانية وغور الاردن، موضحا ان ذلك ليس قدرا إذا ما تمت مواجهته بالصمود الفلسطيني والدعم العربي والاسلامي، مضيفا: «أما إذا أخل بهذه المعادلة فأنا أخشى أن تنفذ إسرائيل مخططاتها بالتدريج» خاصة وأن الإسرائيليين يعتبرون الضفة الغربية منطقة متنازعا عليها وليست محتلة «ولذلك هم يقولون إذا تم البناء الفلسطيني فيها سيتم البناء الاسرائيلي من خلال المستوطنات». وتابع قريع: «أنا أرى أن الربط بين المعركة الدائرة في غزة والمعركة القائمة في القدس لضمها، هي المعادلة القادمة، وإذا ما تم ضم القدس وفصل غزة فلن يكون هناك دولة فلسطينية بمعنى الدولة».
وشدد قريع على ضرورة وجود موقف فلسطيني موحد لمواجهة إسرائيل ومخططاتها من خلال بلورة برنامج سياسي فلسطيني موحد «قابل للتطبيق»، وذلك في إشارة إلى القبول الفلسطيني بحل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967، ذلك الحل الذي تتبناه فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، وذلك الى جانب «ضرورة وجود موقف عربي داعم بشكل حقيقي»، منتقدا الصمت السائد عربيا تجاه «المجازر التي ترتكب في قطاع غزة، والقدس ومن خلال توسع المستوطنات والطرق الالتفافية التي تتمدد في الضفة»، مضيفا «لا يجوز أن يظل الموقف العربي في دور المتفرج برغم انشغال العالم العربي بأوضاعه الداخلية».
وتابع قريع؛ «الحق الفلسطيني بحاجة لموقف عربي إسلامي داعم بقوة ويتحرك على مستوى كل المحافل الدولية لدعم الفلسطينيين»، ولكن للأسف الموقف العربي لا يحسد عليه وهو موقف محزن»، مشيرا الى ان الاوضاع داخل بعض الدول العربية محزنة كذلك، منوها إلى أن ما يجري في العالم العربي من اقتتال داخلي يأكل من رصيد القضية الفلسطينية بوصفها القضية الرئيسة والمركزية للعالم العربي.
واشار قريع إلى أن ما يجري من اقتتال عربي «هو نتيجة تدخلات اقليمية ودولية تخدم في نهاية الأمر مصلحة إسرائيل التي لا يمكن ان تستبعد بأن لها يد في ما يجري من العالم العربي من تغذية للطائفية والصراعات المذهبية بما يغذي تفتيت المنطقة وتجزئتها بما يصب في مصلحة إسرائيل»، مضيفا «اسرائيل زرعت في المنطقة لاستكمال تفتيت المنطقة وهي صاحبة مصلحة في تفتيت المنطقة العربية الى دويلات طائفية حتى لا تشعر بأنها عنصر غريب في المنطقة، وأنا هنا أتحدث عن مخططاتهم الاستراتيجية».
وتابع قريع «اتفاقية سايكس بيكو عملت التقسيم الاول. الأن هذا التقسيم هو التقسيم الثاني، لان الأول لم يريحهم ، فهم يريدون هذه المنطقة دويلات طائفية شيعية كردية علوية سنية درزية حتى لا تكون إسرائيل بوصفها دولة يهودية جسما غريبا في المنطقة، وأن هناك دويلات أخرى على اساس مذهبي وطائفي موجودة بالمنطقة»، متابعا «فالذي يجري بالمنطقة أما هو عمل اسرائيلي او لخدمة إسرائيل حتى لا تظل جسيم غريب في المنطقة، فهي المستفيد الاول من هذا الانشغال العربي بالأوضاع الداخلية لذلك هي ماضية في تنفيذ مخططاتها كونها لا تجد من يقول لها قف».
وعن الموقف الاميركي السائد تجاه القضية الفلسطينية وتنفيذ إسرائيل لمخططاتها بشأن فصل غزة عن الضفة وضم القدس وتقسيم الضفة الغربية إلى «كنتونات»، قال قريع «موقف يفترض أن يكون أكثر فاعلية، ومع الاسف الشديد هو صامت والصامت عن الحق شيطانا اخرس»، متابعا «الحق الفلسطيني حق واضح ولا توجد عدالة في هذا العالم، والذي يستعيد العدالة هو صمود المواطنين ومواجهتهم خصمهم»، مشددا على أن مقاومة الاحتلال بأشكالها كافة مشروعة «لانهاء آخر احتلال موجود على الارض»، مشيرا إلى أن العدوان الإسرائيلي على غزة سيساهم في إعادة القضية الفلسطينية الى صدارة المشهد السياسي في الساحة الدولية.