تعبيرية
عدوى فطرية مميتة حيّرت الأطباء تتوغل في أمريكا
شُخِّصَت إصابة قُرابة 36 شخصاً في الولايات المتحدة بعدوى فطرية مُميتة ومقاوِمة للعقاقير منذ أن حذَّر مسؤولون بوزارة الصحة الفيدرالية الأطباء الأميركيين لأول مرةٍ في يونيو/حزيران الماضي ليأخذوا احتياطاتهم لمواجهة هذه العدوى الفتَّاكة التي تنتشر في شتى أنحاء العالم.
وكان هذا الفطر، وهو إحدى سلالات الخميرة ومعروف علمياً باسم "كانديدا أوريس"، قد ظهر في عشرات الدول بخمسِ قارات بدءاً من عام 2009، حين وُجِدَ عند مريضٍ ياباني يُعاني من عدوى في أذنيه. ومنذ ذلك الحين، ظهرت حالات مُصابة بهذا الفطر في كولومبيا، والهند، وإسرائيل، وكينيا، والكويت، وباكستان، وكوريا الجنوبية، وفنزويلا، والمملكة المتحدة، نقلاً عن صحيفة واشنطن بوست الأميركية.
وعلى عكس الأنواع المألوفة من العدوى الفطرية، يُسبب هذا النوع التهابات حادة في مجرى الدم، وينتقل بسهولة من شخصٍ لآخر في أماكن الرعاية الصحية، ويظل موجوداً لعدة أشهُر على البشرة، وقُضبان الأسِرّة والمقاعد، والمعدات الأخرى في المستشفيات. وبعض السلالات مُقاوِمة للأنواع الثلاثة الأساسية من العقاقير المُضادة للفطريات.
وبناءً على المعلومات الواردة من عددٍ محدودٍ من المرضى، مات 60% من الأشخاص المُصابين بهذه العدوى. ويُعاني العديد منهم أيضاً من أمراضٍ حادة بسبب هذا الفطر.
وأكثر الأشخاص عُرضةً للوفاة من هذه العدوى هم المرضى الذين يقبعون في غُرف العناية المُركَّزة، أو أولئك الذين يتنفسون عبر أجهزة التنفُّس الصناعية، أو لديهم قسطرةٌ مركزية داخل أحد أوردتهم الكبيرة.
في الولايات المتحدة، ظهرت أكبر عدد من حالات الإصابة في ولاية نيويورك، ووصل إلى 28 حالة على أقل تقدير، وفقاً لتقارير صادرة عن مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها. فضلاً عن ظهور حالاتٍ مُصابة في ولايات إلينوي، وميريلاند، وماساتشوستس، ونيوجيرسي الأميركية. وفي يونيو/حزيران الماضي، أرسل مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها تحذيراً عاجلاً إلى الأطباء ليبدأوا البحث عن الحالات المُصابة بهذه العدوى، خاصةً في ظل صعوبة التعرَّف عليها بالوسائل المعملية المعيارية.
وقال توم تشيلر، كبير خبراء الفطريات بمركز مكافحة الأمراض والوقاية: "بمجرد أن أرسلنا التحذير العاجل، بدأنا في تلقي معلوماتٍ عن ظهور حالاتٍ مُصابة بالمرض، وصرنا الآن نعرف المزيد عن كيفية انتشار المرض، وكيفية تأثيره على المرضى"، وذلك في لقاءٍ شخصيٍ أجراه يوم الخميس الماضي الموافق 9 مارس/آذار. ويتابع المركز الآن عدد حالات الإصابة بالعدوى، ويُصدِر تحديثاً بعدد الحالات كل بضعة أسابيع.
وبالإضافة إلى ظهور 35 مريضاً مُصاباً بهذه العدوى، هناك 18 شخصاً آخر كانوا يحملون الكائنات المُسبِّبَة للعدوى ولكن لم تظهر عليهم أعراضٌ مَرَضية.
ويأتي هذا الميكروب ضمن مجموعةٍ من الفيروسات المُقاوِمة للعقاقير التي ظهرت حديثاً، كما ذكر مسؤولون بوزارة الصحة.
وقالت الطبيبة آن شوشات، نائبة مدير مركز مكافحة الأمراض والوقاية: "هذه الفيروسات الفتَّاكة تتزايد، وهي جديدةٌ من نوعها، وتُشكِّل خطراً مُخيفاً، فضلاً عن صعوبة مواجهتها"، وذلك أثناء مؤتمرٍ صحفيٍ مُوجز عُقِدَ في واشنطن هذا الأسبوع للحديث عن الخطر المتزايد الذي تُشكِّلَه مقاومة مضادات الميكروبات.
ومن بين الحالات السبع الأولى التي وصلت تقارير بظهورها إلى مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها في الفترة الماضية، أُصيب 4 مرضى بالتهاباتٍ حادة في مجرى الدم ولاقوا حتفهم في غضون من أسابيعٍ إلى شهور من تاريخ اكتشاف إصابتهم بالعدوى.
وقال المسؤولون إنَّهم غير متأكدين ما إذا كانت حالات الوفاة التي نتجت عن هذه العدوى بسبب معاناة هؤلاء الأشخاص من مشكلاتٍ صحية حادة أُخرى أم لا. وكان الفِطر معزولاً في بداية الإصابة عن الدمِ عند 5 مرضى، وكان معزولاً عن البول عند أحد المرضى، وعن الأذن عند مريضٍ آخر.
ولا تزال حالات الإصابة بالعدوى نادرةً نوعاً ما، وقال تشيلر: "إنها تصيب أكثر المرضى مرضاً".
وحتى الآن، لا يبدو أن الفِطر يتطور إلى سلالاتٍ جديدة داخل الولايات المتحدة. وذلك لأن أميركا لم يُكتشف بها حتى الآن "منابع" لسلالات هذه العدوى المُميتة، وقال تشيلر: "يُحسِّن ذلك فرصتنا في احتواء هذه العدوى ومنع انتشارها".
مقاومة للمضادات الحيوية
وفي بعض الدول الأخرى، كانت حالات العدوى مُقاوِمةً للأنواع الثلاثة الأساسية من العقاقير المُضادة للفطريات، ولكن حتى الآن، فالحالات التي ظهرت في الولايات المتحدة يُمكن معالجتها بالعقاقير المتوافرة.
ونظراً إلى انتشار العدوى الاجتياحية بفِطر كانديدا في مجرى الدم بين المرضى الذين يتلقون الرعاية الصحية بالمستشفيات في الولايات المتحدة، أعرب مسؤولو وزارة الصحة عن قلقهم حيال احتمالية "تطوُّر هذه السلالة المُميتة إلى هذا المزيج"، كما ذَكَر تشيلَر.
وعلى عكس التهابات كانديدا في الفم، أو الحَلق، أو المهبل (والتي تُعرف عادةً باسم عدوى الخميرة)، يُمكن أن تؤثر عدوى الخميرة الاجتياحية على الدم، والقلب، والدماغ، والعينين، والعِظام، وأجزاءٍ أُخرى من الجسم، وهذه الالتهابات أكثر خطورة.
وهناك مِن أطباء الأمراض المُعدية، والعاملين في المختبرات، مَن يعتبرون أن الالتهابات التي يُسببها الفِطر لا تندرج تحت نفس التحذيرات من البكتيريا المُقاوِمة للمضادات الحيوية، حتى الآن.
هذه نقلةٌ نوعية، لأن فِطر كانديدا لا يمكن اعتباره بوجهٍ عام "فطراً عالي المقاومة لمضادات الفطريات، أو ينتقل بسهولة من شخصٍ لآخر"، كما قال تشيلر.
ومنذ أن أعلن مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها عن تحذيراته في يونيو/حزيران، خصَّصت الوكالة أموالاً وخبراتٍ إضافية لمساعدة المختبرات والمستشفيات المحلية في اكتشاف العدوى.