تعبيرية
بانوراما اقتصاد الأردن 2016
تلقي حالة عدم الاستقرار التي تشهدها المنطقة بظلالها على الواقع الاقتصادي في المملكة، ما يشكل تحديا يواجه البيئة الاستثمارية.
وقدرت وزارة التخطيط إجمالي حجم المساعدات الخارجية الاعتيادية والإضافية والإنسانية المقدمة للأردن لعام 2016 ما قيمته 8ر2 مليار دولار، شكلت القروض الميسرة منه مبلغ 7ر939 مليون دولار، ومنح لدعم خطة الاستجابة الاردنية بقيمة 18ر1 مليار دولار، والمساعدات الاعتيادية على شكل منح للأردن بقيمة 8ر733 مليون دولار.
وساهم انخفاض اسعار النفط في التخفيف من حدة ازمة الطاقة التي عانت منها المملكة خلال السنوات الماضية، وبدا ذلك جليا في المؤشرات المالية في المملكة حيث انخفضت المستوردات بما نسبته 1ر8 بالمئة خلال الأرباع الثلاثة الأولى لعام 2016 مقابل تراجعها بنحو 2ر10 بالمئة خلال نفس الفترة من العام السابق نتيجة لانخفاض فاتورة المستوردات من النفط الخام والمشتقات النفطية بنسبة 48 بالمئة، وتبعاً لذلك انخفض العجز في الميزان التجاري بنسبة 7ر10 بالمئة خلال الأرباع الثلاثة الأولى من هذا العام مقابل تراجعه بنحو 9ر11 بالمئة خلال الفترة المماثلة من عام 2015.
إقرأ أيضاً: أحداث الأردن في 2016
أما عجز الحساب الجاري لميزان المدفوعات فبلغت نسبته إلى الناتج المحلي الإجمالي خلال النصف الأول من عام 2016 نحو 7ر12 بالمئة مقارنة مع 5ر9 بالمئة لنفس الفترة من العام 2015.
وعلى صعيد المالية العامة، ووفقاً لأرقام إعادة التقدير، سجلت الإيرادات العامة في عام 2016 ارتفاعاً بنسبة 4ر6 بالمئة عن مستواها في عام 2015، ويعود هذا الارتفاع بشكل رئيس لارتفاع إيرادات ضريبة الدخل بنسبة 11 بالمئة، وزيادة حصيلة ضريبة المبيعات بنسبة 4ر5 بالمئة ، وارتفاع الإيرادات غير الضريبية بنسبة 10 بالمئة.
في المقابل، سجلت النفقات العامة ارتفاعا بنسبة 8ر7 بالمئة عن مستواها في عام 2015 نتيجة ارتفاع النفقات الجارية بنسبة 8 بالمئة وارتفاع النفقات الرأسمالية بنسبة 3ر6 بالمئة، وكمحصلة لذلك بلغ العجز بعد المنح في عام 2016 ما مقداره 1097 مليون دينار أو ما نسبته 4 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة مع 5ر3 بالمئة عام 2015.
ونجح الأردن في كسب الثقة العالمية بالاقتصاد الاردني مرة اخرى، ويتضح ذلك بإصداره سندات "يوروبوند" في الاسواق العالمية بقيمة مليار دولار، ولأجل عشر سنوات، حيثُ بلغت تغطية الإصدار ما يقارب 4 مليارات دولار وبما يعادل حوالي 400 بالمئة وبسعر فائدة بلغ 75ر5 بالمئة وسعر عائد 8ر5 بالمئة وبمساهمة أكثر من 300 مستثمر دولي تمثل كبرى الصناديق الاستثمارية في العالم، الامر الذي يعكس استمرار ثقة المستثمرين العالميين في الأردن وقيادته واقتصاده وفي برامج الإصلاح المالي والهيكلي الجاري تنفيذها.
وجاء تثبيت التصنيف الائتماني للأردن في تقرير وكالة ستاندرد اند بورز عند وجهة نظر مستقبلية سلبية ليسلط الضوء على حساسية الظروف الاقليمية التي تواجه المملكة وتداعيات النزاعات الإقليمية المتوقعة على المالية العامة والقطاع الخارجي.
وأشار التقرير إلى إمكانية رفع التصنيف الائتماني إلى مستقر في حال تحسن الوضع الإقليمي وقيام الحكومة بتنفيذ إصلاحات مالية وهيكلية تمكن من استدامة النمو وتقليص الأعباء على المالية العامة.
وارتبطت المملكة ببرنامج اصلاحي مع صندوق النقد الدولي في عام 2016 بترتيبات لمدة 3 سنوات بموجب تسهيلات القرض الممتد الذي يتم بموجبه منح الأردن قرضا بقيمة 65ر514 مليون وحدة حقوق سحب خاصة تعادل حوالي 723 مليون دولار وتمثل 150 بالمئة من حصة الأردن في الصندوق، والتي ستدعم برنامج الاصلاح الاقتصادي والمالي الذي تبنته المملكة، فيما يهدف البرنامج إلى دعم ضبط أوضاع المالية العامة بتخفيض الدين العام وتوسيع الاصلاحات الهيكلية لتهيئة الظروف لمزيد من النمو الشامل.
وفيما يتعلق بالتطورات الاقتصادية والمالية التي شهدتها المملكة خلال عام 2016 كان تباطؤ أداء الاقتصاد الأردني على رأسها متأثراً بتداعيات الظروف الإقليمية الصعبة، حيث نما الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة خلال النصف الأول من عام 2016 بما نسبته 1ر2 بالمئة مقارنة مع 2ر2 بالمئة لنفس الفترة من عام 2015.
ويتوقع إن يبلغ 4ر2 بالمئة بنهاية عام 2016، وبنسبة 3ر3 بالمئة لعام 2017، و8ر3 بالمئة لعام 2018، و4 بالمئة لعام 2019.
كما يتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي الإسمي بنسبة 7ر5 بالمئة لعام 2017، و3ر6 بالمئة لعام 2018، و6ر6 بالمئة لعام 2019، في حين تراجع معدل التضخم مقاساً بالتغير النسبي في الرقم القياسي لأسعار المستهلك بنحو 1ر1 بالمئة خلال الشهور العشرة الأولى لعام 2016 مقارنة بتراجع نسبته 7ر0 بالمئة لنفس الفترة من عام 2015، في ضوء استمرار تراجع أسعار الغذاء والنفط في الأسواق العالمية وانعكاسها على الأسعار المحلية.
وتراجع عجز موازنة الحكومة المركزية في الأشهر العشرة الأولى من عام 2016، إلى حد كبير بسبب خفض النفقات على نحوٍ فاق الانخفاض في الإيرادات بالنسبة للناتج المحلي.
وتلخص الهم المؤرق لواضع القرار الاقتصادي بالمملكة في إجمالي الدين العام، الذي بلغ في نهاية شهر تشرين الأول 2016 نحو 26 مليار دينار أو ما نسبته 94 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي مقابل 4ر93 بالمئة في نهاية عام 2015، وبلغت مديونية شركة الكهرباء الوطنية وسلطة المياه نحو 6.6 مليار دينار.
ونظرا لارتفاع الدين العام إلى مستويات قياسية وانعكاساتها السلبية على الاستقرار المالي، يشكل التعامل مع الدين العام أحد اهم المحاور الأساسية التي ستوليها الحكومة اهتماماً خاصاً في برنامج الإصلاح المالي والهيكلي خصوصا ان خدمة الدين العام سنويا سترتفع في موازنة 2017 الى مليار دينار.
أما الإصلاحات الهيكلية التي تقوم بها الحكومة وخاصة في ما يتعلق بتنويع مصادر الطاقة وتحسين بيئة الأعمال، فإنها تدعو للتفاؤل بالنسبة للنمو على المدى المتوسط خاصة اذا ما استطاع الاردن التغلب على التحديات الناجمة عن الوضع الامني غير المستقر في الدول المجاورة.
وخطت المملكة خطوات واضحة وجريئة في مجال تنويع مصادر الطاقة والاعتماد على الطاقة المتجددة؛ فأصدرت المملكة بتشرين الثاني اول رخصة لممارسة نشاط توليد الطاقة الكهربائية بواسطة الحرق المباشر للصخر الزيتي لشركة العطارات للطاقة المملوكة لـ(إينيفيت الأستونية)، في منطقة ام الغدران /القطرانة، وتتيح الرخصة بحسب القائمين على المشروع إنشاء محطة كهرباء بطاقة تقدر بحوالي 554 ميغاواط، بكلفة كلية للمشروع تبلغ نحو 1ر2 مليار دولار بالاعتماد على احتياطي المملكة من خام الصخر الزيتي المقدر بحوالي 70 مليار طن.
كما قامت وزارة الطاقة بطرح سبعة مشاريع لإنتاج الكهرباء من الطاقة المتجددة باستطاعة اجمالية تتراوح بين 350 الى 4000 ميغاواط، بالإضافة الى افتتاح مشروع شمس معان، وهو اكبر مشروع للقطاع الخاص في منطقة الشرق الاوسط لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية باستخدام الالواح الكهروضوئية وباستطاعة 5ر52 ميغاواط.
ونجح الاردن في تشييد مشروع ميناء الغاز المسال والذي مكن الدولة من توليد 85 بالمئة من طاقة المملكة الكهربائية بكلفة أقل، ما حقق وفرا على الخزينة من 300 إلى 400 مليون دينار سنويا.
كما شهد عام 2016 افتتاح اول مفاعل نووي اردني للبحوث والتدريب في جامعة العلوم والتكنولوجيا الاردنية ليكون جزءا مهما من البنية التحتية للتكنولوجيا النووية في المملكة، ومركزا إقليميا في علم الطاقة النووي، والذي انشئ من قبل ائتلاف كوري جنوبي مكون من معهد الطاقة الذرية الكوري (كيري)، وشركة دايو للهندسة والإنشاءات.
ويعمد المشرع الاردني على تعزيز مبدأ الاعتماد على الذات في تغطية الإنفاق العام من خلال تحسين كفاءة التحصيل الضريبي والحد من التهرب والتجنب الضريبي، وزيادة اعتماد الوحدات الحكومية على مواردها الذاتية في تمويل نفقاتها، ما يؤدي الى ارتفاع الايرادات الضريبية العام المقبل بقيمة 865 مليون دينار عن عام 2016، أو ما نسبته 9ر19 بالمئة.
ويرتبط ذلك بالقرارات الحكومية المرتقبة والتي لها علاقة مباشرة مع اتفاقها مع صندوق النقد الدولي، والذي يقضي بزيادة الايرادات المحلية بواقع 450 مليون دينار في سنة 2017، وهو ما يحتم عليها إعادة النظر في الرسوم الضريبية على العديد من السلع والخدمات ورفعها الى مستوى 16 بالمئة، والتحدي في الوصول الى هذه الارقام يكمن في أن أي عمليات رفع نسب الضريبة على السلع قد يؤدي الى تراجع ثقة المستهلكين بالأسواق وهبوط عمليات الشراء بكافة انواعها، ما يساهم في ضعف دوران الانشطة الاقتصادية وبالتالي ضعف التحصيلات الضريبية للخزينة، وهذا امر وارد بشكل كبير من الناحية الاقتصادية البحتة.
ويعد الهم الاقتصادي من اولويات جلالة الملك عبدالله الثاني، حيث أوعز جلالته بتشكيل مجلس للسياسات الاقتصادية، تكون " مهمته مناقشة السياسات والبرامج الاقتصادية وخطط التنمية في مختلف القطاعات، وتحديد أبرز المعوقات التي تقف في وجه النمو الاقتصادي، واقتراح الحلول لتجاوزها، ليكون هذا المجلس مساندا لجهود الحكومة الهادفة إلى تجاوز الصعوبات الاقتصادية واستثمار الفرص، وتحقيق معدلات نمو أعلى، وتعزيز تنافسية اقتصادنا الوطني.
ولم يغب هاجس جذب الاستثمار عن الاقتصادي الاردني، فقامت الحكومة بإنشاء صندوق استثمار يؤمن مصادر تمويل لمشاريع البنى التحتية الكبرى والمشاريع التنموية والمشاريع الكبرى التي تعود بالنفع على الاقتصاد الوطني، بالإضافة الى اقرار قانون الاستثمار والذي كان من اهم المواضيع المطلوبة من المشرع الاقتصادي خصوصا توفير مظلة واحدة وتوحيد للمرجعيات.
ويبقى التحدي الرئيس الذي يواجهه الاقتصاد الأردني استمرار وجود ما يقارب من 3 ملايين وافد على أرض المملكة، الأمر الذي يشكل ضغوطا على البنية التحتية والخدمات العامة.