تعبيرية
'حلمت بهذا قبل أن يحصل'..ظاهرة حيرت العالم!
لا بدّ أنك جربت سابقاً أن تكون في موقف ما ويواجهك شعور فجائي بأن ما يحصل كنت قد رأيته أو عشته من قبل، ومع تكرار هذه الحالة قد ينتاب الإنسان شعور مضلل بأن لديه قدرة استثنائية على الاستشعار، أو على معرفة الأشياء قبل حدوثها، إلا أن العلم لم يقدّم تفسيراً جازماً لهذه الحالة المعروفة باسم "ديجا فو".
"ديجا فو" هي كلمة فرنسية تعني "رؤي مسبقاً"، وضعها الباحث الفرنسي إيميل بوليك في كتابه "مستقبل العلوم النفسية". أما تعريفها العلمي فوضعه العالم المختص بعلم الأعصاب عامة وبدراسة الديجا فو خاصة، بروفيسور فيرنون نيبي، وهو "أي حالة ينتاب فيها الشخص شعور غير مناسب بالألفة بين تجربة حاصلة في الحاضر، وماضٍ غير معرّف"؛ أي أن تشعر أن الموقف الذي تعيشه مألوف لك دون أن تدرك مصدر هذه الألفة.
وفقاً لكتاب نيبي، يوجد 21 نوعاً من الديجا فو؛ من بينها 7 تصنيفات أساسية مختلفة للحالة نفسها التي اعتبرها "اضطرابية". فمن التصنيفات التي قدمّها للديجا فو هي كونه اضطراباً في الذاكرة، أو اضطراباً في "الأنا" (مصطلح وضعه عالم النفس سيغموند فرويد يصف فيه الذات)، حالة دفاع عن "الأنا" أو اضطراباً استيعابياً مؤقتاً، أو مظهراً من مظاهر مرض الصرع، أو اضطراباً في الإدراك، أو تجربة شخصية "خارقة" للعادة.
يصعب إيجاد تفسير علميّ جازم للظاهرة؛ لكونها صعبة القياس والتوقع، فهي حالة فجائية تصيب الإنسان ومن ثم فمن الصعب استحضارها لدراستها. لكن كثير من العلماء – مثل نيبي وآخرين-اعتبروا الحالة ظاهرة مرضية مؤقتة تصيب جهاز الأعصاب؛ وذلك لأنهم أجروا أبحاثاً على مرضى الصرع الذين يعيشون حالة الديجا فو بوتيرة عالية.
إلا أن تفسيرات أخرى ظهرت تؤكد من جهة كون الديجافو حالة مرافقة لمرض الصرع، إلا أنها تصيب آخرين غير مرضى الصرع. فبحسب الباحث هاغلنغز جاكسون هي حالة مرتبطة باضطرابات المزاج أيضاً مثل الخوف والاكتئاب، وباضطرابات أخرى من الفصام.
أما التفسير البيولوجي فقد قدّمه العالم جوزيف سبات في بحث علمي نشر عام 2002، إذ قال فيه إن الحالة مرتبطة بعمليات خاطئة تدور في المنطقة التي تغلّف الحصين (هيبوكامبوس)، وهو المسؤول عن الشعور بالألفة تجاه الأحداث والأشخاص.
أما التفسيرات الأكثر شيوعاً فتعود للباحث ألون براون، الذي تحدث في سلسلة من الدراسات والكتب عن 3 تفسيرات مختلفة لظاهرة الديجا فو. الأول هو خلل بيولوجي صغير في المسالك العصبية المرتبطة بعمليات نقل المعلومات الحسّية لمراكز معالجة المعلومات في الدماغ. وفي الوضع الطبيعي يستقبل مركز المعالجة المعلومات الحسية من مسالك مختلفة في الوقت نفسه، لكن في حالة الديجا فو يطرأ التغيير على سرعة تدفق المواد الكيميائية العصبية في أحد المسالك، ومن ثم تصل متأخرة؛ ممّا يجعل الدماغ يصنفها على أنها تجربة/حدث جديد، في حين أنه مرتبط بنفس الحدث الحاصل.
ويعود التفسير الثاني إلى نظرية "الإدراك المشطور"، الذي يعتبر الديجا فو نتيجة لانقسام ما في تجربة الفهم والاستيعاب. فبحسب النظرية، أثناء خوض تجربة جديدة يمكن أن يستحضر انطباع شبيه جداً بالانطباع الذي كان سائداً في لحظة واحدة قبل هذه التجربة؛ ممّا يعطي شعوراً بأن هناك شيئاً ما مكرراً.
وهنا يذكر أن هذا التفسير هو الأكثر قبولاً بين الباحثين، والأكثر اقتباساً في الدراسات اللاحقة التي تناولت الموضوع. أما التفسير الثالث فيقول إن الديجا فو يحدث عندما يعالج الدماغ الحدث مرتين (معالجة مزدوجة)؛ المرة الأولى يعالج جزئياً خارجياً، ومن ثم يعالج داخلياً بشكل فوري وكامل، الحديث هنا عن الحدث نفسه، ولكنه عولج على مراحل.