ملف الأسبوع: جبلُ القلعةِ تاريخٌ عريقٌ وسكانٌ لا يَبرَحونَ المكان

الأردن
نشر: 2016-03-18 18:19 آخر تحديث: 2016-08-02 20:10

رؤيا - محمد أبو عريضة - جبل القلعة .. أيقونة المدينة، وتميمة عشق أبدية، تحمي المكان، وتحرسه من السحر الأسود، ومن أعداءٍ طامعين ببساتين، وماء رقراق، ظل يتدفق برفق في سيل، يحتضنه وادي عمان المتعرج العميق.

صورة عمان التاريخية، كانت كذلك، لكن حينما يطل الرائي اليوم من علٍ، فلا يرى سوى سيل مركبات، تروج وتجيء، وكتل إسمنت صماء، سرقت خضرة البساتين، وجففت ماء المدينة الرقراق، يكتشف أنه لم يبقَ من صورة عمان القديمة إلا ركام آثار صامدة، ومدرج قده أجدادنا من صخرِ  المكان العصي القاسي.

 حينما استعادت عمان بهجتها، بعد طول فراق، استوطن ناس يبحثون عن يقين، وجد بعضهم في جبل القلعة، إلى جوار الآثار ما يؤنس غربتهم، ومع الوقت أصبح الناس يعرفونهم بأيناء القلعة.

أبناء القلعة، بوصفهم من أخرج المكان من قمقم الذاكرة، ذابوا وجدًا بحيهم، فلا هم اليوم قادرون على أن يبرحوا المكان، ولا هم قادرون على التكيف مع عيش ضنك، زاد التصاقهم بذاكرة المكان في طين بؤسهم بلة.

مشاكل أبناء القلعة جمة، ليس ابتداؤها، قطعًا، إهمال الجهات الرسمية المعنية، ولا انتهاؤها سياحة مضروبة ومنازل مخروبة.

 لأن أبناء القلعة مغرمون بتفاصيل حيهم، فإن أدقها، حتى لو لم  تكن تعني غيرهم، فإنهم يولونها عناية خاصة، فحديقتهم الصغيرة الجميلة، مع أن لها علاقة مباشرة بالملك الراحل الحسين، تركتها الجهات المعنية مهملة، بذريعة تنازع الاختصاصات.

 بانوراما الإطلالة من جنوب الجبل أكثر من بديع، لكن الصورة تمسي جد بشعة، حينما يصبح الوادي هو بؤرة النظر، فحينذاك، يلامس السفح حافة التضاد بين الآثار، ومنازل غادرها أهلها، فتحولت إلى بؤرِ فساد.

أبناء القلعة فقراء، لكنهم أغنياء بحيهم، يبحثون عن لقمة عيش، كان من قطنوا المكان في القدم يجدونها في بساتين الوادي، أما اليوم، فلا السياحة تسعفهم، ولا اشتراطات الواقع تطعمهم من جوع وتسقيهم من عطش.

ليالي عمان، تجربة فريدة، أنعشت آمال أبناء القلعة، لكنهم سرعان ما اكتشفوا أنه لا يحك جلدك إلا ظفرك، والماء الذي يأتي من بعيد لا يمكن له أن يطفيء الحريق القريب، إضافة إلى ملاحظات أخرى، ليست مركزية في هذا السياق.

أبناء القلعة يؤمنون بأن الخيل أعلم بفرسانها، لذا تداعوا، وقالوا: أن هلمي يا حكومة، ها نحن مأطرون في جمعية سياحية، قد تشكل رافعة لإنعاش المكان وأبناءه، فحروف كلمات القلعة تقبل القسمة على الجميع، ساعدينا نستعيد وإياك روح المكان.

أمانة عمان الكبرى تحاول، لكن ليس لمحاولاتها الخجولة إلا بصمات غير واضحة المعالم في المكان، تعد كثيرًا، وأبناء القلعة ما زالوا في الانتظار.

وزارة السياحة والآثار، بعد أن خرجت من دورة الفعل في جبل القلعة بإلغاء مهرجان ليالي عمان، أحالت الأمر إلى دائرة الإثار، التي تسعى جاهدة للعب دور السياحة والآثار على السواء، إلا أن الأمر يحتاج إلا أكثر من ذراعين اثنين.

 

جبل القلعة ظل سكان الوادي ينظرون إليه بمزيد من القدسية الممزوجة بالشعور بالحب الغامر، وكان الناظر من الجبل إلى الوادي يشعر أن حياته، برغم أن نظره يهيمن على الوادي، لا تستقيم من دون علاقة ود مع أصحاب البساتين المحيطة بالسيل، وما زالت هذه الصورة النمطية قائمة، وإن بطريقة مختلفة.

 

 

أخبار ذات صلة

newsletter