Please enable JavaScript
Email Marketing by Benchmark
حوار الطرشان | رؤيا الإخباري

حوار الطرشان

مقالات
نشر: 2017-03-06 09:16 آخر تحديث: 2017-03-06 09:16
كتابة: الدكتور صبري اربيحات
الدكتور صبري اربيحات

في الحالات التي يتحدث فيها الجميع ولا احد يعرف ما يقوله الآخرون يبدو المشهد اقرب إلى الضوضاء والضجيج أكثر من أي شيء أخر.

البعض يشخص مثل هذه الحالات ووصفها بعبارة " حوار الطرشان" بالرغم من اختلافي مع التشبيه بعد أن أصبح للصم لغة وقاموس يحوي ألاف الإشارات و بعد نجاحهم في التعبير عن مقاصدهم بدقة ووضوح وتطور لغتهم لتصبح قادرة على أن تكون لغة لتدريس العلوم والآداب في العديد من جامعات العالم, إلا ان تواصلنا اليوم يفتقد إلى الأساسيات مما يفقده الفعالية والتأثير الضروريتان لتحسين شروط عيشنا وعملنا وعلاقاتنا.

ما لا يعرفه الكثيرون منا ان الصم أكثر هدوء وسلام, وان التعامل معهم والعيش بينهم يبعث على الراحة والطمأنينة أكثر من البعض ممن يشحنون الأجواء بموجات صرخهم وما يحمله من عدائية وتوتر وقلة احترام لما يقوله غيرهم. في حالات كثيرة يطور البعض آليات متعددة لإنكار حق الغير في التعبير والمشاركة تارة بالتجاهل وتارة برفع الصوت وأخرى في حرمان الاطراف الاخرى من حقهم في ان يعبروا ويستمع إليهم فيما يخصهم.

اليوم يبدو الفضاء العام مكتظا بالاحاديث والروايات والقصص والمقترحات والآراء التي تتناول الكثير مما دون وجود حوار حولها. الكثيرون منا يتحدثون عن النقاش والمشاركة والاستماع للأخر والديمقراطية ورأي الأغلبية دون وجود دليل على توفر الكثير من الحوار.

الأصوات التي نسمعها في البرلمان والصحافة والصالونات السياسية والمؤتمرات تتناول الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإصلاحية لكنها تذهب دون توقف او نقاش او تدقيق الامر الذي يجعلك تشك أحيانًا إننا نحمل رؤى مشتركة او ننطلق من حس موحد بالمصلحة العامة. في فضائنا العام حالة من التعنت وقلة الاكتراث يصعب ان تجد مثيلا لها.

في الكثير من الأحيان يجري الحديث عن حوارات حول قضايا أساسية وبعد ان يمضي المتحاورون اسابيع وشهور تأتي القرارات مغايرة لكل ما تم الاتفاق عليه. وتحت القبة التي ترمز لسقف لا حدود له من حرية الحوار يجري تناول الكثير من القضايا العامة لأيام ويبدي كل شخص الرأي الذي يحلو له دون التفكير في البناء على ما قاله الغير لينتهي الأمر بإقرار مقترحات غير تلك التي تم تناولها دون معرفة كيفية تطور هذه الآراء وإنضاجها.

في الأيام القليلة الماضية تحدث البعض عن إيرادات الدولة الأردنية بأرقام يصعب التحقق من صحتها وقد جاء ذلك بعد عرض احد خبراء الاقتصاد لمعادلة تبين ان الحكومة تحقق أرباحًا طائلة من خلال إشرافها على ملف شراء وتكرير وتسعير وبيع النفط ويشكك في صحة المعادلة التي ساقتها وتسوقها الحكومات السابقة والحالية حول الدعم الحكومي للطاقة دون ان يجري حوارا حول الأرقام والحقائق والقضايا التي يشملها الملف للخروج باستنتاجات يمكن ان تشكل قناعات تسهم في تحسين الأجواء المشحونة في البلاد.

المشكلة لا تقف عند غياب الاستماع والمصارحة وقبول الاخر واحترام حق الاخر في المشاركة بل تتعداها إلى إشاعة روح الهيمنة والتسلط والاستغلال بدافع ان البعض يملك من الحكمة والهداية والاخلاص والمواطنة ما يفوق الغير. واستخدام ذلك كمبررات للانقلاب على قيم المساواة والعدل وتكافؤ الفرص والتنمية.

في المجتمعات التي تقر بالتنوع والتعددية وسيادة القانون والمواطنة المتساوية يملك الجميع الحق في التعبير والمشاركة والتأثير بصرف النظر عن اللون او العرق او الجنس او القرابة ويشكل الحوار وسيلة المجتمع لتحقيق التفاهم وترتيب الأولويات وحل المشكلات دون اللجوء إلى رفع الصوت والاستحواذ وتجاهل الآخرين.

ما يجري في الفضاءات العامة والخاصة من ضجيج وصراخ وأحاديث لا تشبه الحوار في شيء. فالحوار يتم بين أطراف تحترم بعضها يستمع كل منهم للأخر ضمن قواعد وشروط يسوقون حججا وشواهد على مقولاتهم دون تغول ايا منهم على الاخر.

وصف بعضنا لحالات تواصلنا الفاشلة بحوار الطرشان فيه الكثير من الظلم والتجني والجهل على إخوتنا من ذوي الإعاقات السمعية فهم ينتبهون لبعضهم جيدا ويحاولون إيضاح أفكارهم وتصوراتهم من خلال الإشارات والقراءة الدقيقة للحركات والتعابير التي يستخدمونها بفعالية واقتدار.

newsletter